شخصية فضولي .. . بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


سلسلة شخصيات من هنا وهناك .. مجرد وجهة نظر .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
شخصية فضولي ..

خرج أبو الفضول من بيته متوجهًا لعمله .. صادف جاره بالباب .. رمقه بنظرة تفحصته من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، ثم قال: ما هذا، ما هذا؟؟ ترتدي ملابس رسمية، إلى أين تذهب في مثل هذا الوقت؟ ليست من عادتك الخروج باكرًا! هل وجدت عملًا جديدًا، أم تريد أن تتزوج بأخرى؟! ثم ضحك مستهزئًا "هههه" .. توجه أبو الفضول إلى سيارته، وإذ أبو محمد يفتح باب الدكان، ناداه بصوت مرتفع "هيهي" يا أبو محمد! لماذا كنت تصرخ بوجه ابنك بالأمس، ماذا فعل هذا الصبي ثانيةً؟ ألا يكف عن افتعال المشاكل! .. شغل محرك السيارة، وإذا بالجارة أم سارة، توصل ابنتها للمدرسة .. أين أبو سارة، سألها؛ وتابع: لماذا لا يعاونك؟ أنتِ تقومين بأعمال المنزل، وتشتغلين لتساعدينه في المصاريف، وتوصلين الأولاد للمدرسة؟ والله هذا عبء كبير! كيف تتحملين كل ذلك؟! .. ثم مضى أبا الفضول في طريقه مستودعًا "الحارة" بأمانة أم الفضول التي رافقته منذ الصباح الباكر ما بين الباب والشباك ..
إذا ما صادفت أبا الفضول يومًا .. ركز معه قليلًا فستنتبه في الحال إلى أن ما يسأل عنه هو: إما قضية لا ترغب في الحديث عنها .. أو حدث يؤلمك .. أو مسألة تخصك تزعجك .. فهو في العادة لا يتقصى عن الأخبار المفرحة أو المواضيع المبهجة، أو حتى الأشياء الروتينية، والحاجات الاعتيادية ..
"من وجهة نظري" فإن أبا الفضول يستمد طاقته من تتبع أخبار الناس -خصوصًا- المؤلمة منها .. فاصطياد أوجاع الناس يسعده .. حيث صورت له حماقته وسخافته أنه ربما ينسى بهذا همه، ويلتهي عن الانشغال بهواجسه ومشاكله .. أو ربما أقنعه جهله، وسلَّم لقلة حيلته بأن هذا حل مناسب يشغل فيه فراغ ساعاته، وخلو وقته .. فتخيل لغفلته أنه مسيطر لا تخفى عنه شاردة ولا واردة، وأخذ يتباهى بين الآخرين أنه يعرف أخبارك -وأخبار غيرك- وأنه مطلع على أحوالك؛ لكنه في الحقيقة لا يعلم عنها شيئًا؛ هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى .. فهو يعاني بالإضافة لفراغ وقته إلى فراغ عاطفي وخواء انفعالي، لذلك؛ فإن مجرد شعورك بالألم يرضيه ويسعده، ومع أنه يبدي لك عكس ما يخفيه، فتراه يضرب كفا على كف لسوء أحوالك، ويقول: "ييي ييي ييي، يا حرام"؛ مع نظرة حزن مصطنعة وشحوب وجه مفتعل .. لكنه بلا شك يضمرُ ما لا يبديه لك ..
فيا أبا الفضول .. دعني أزفُّ لك خبرًا: انك كلما انغمست في شؤون الآخرين كلما صغر عقلك، وقلت مداركك .. لذلك: عليك الاهتمام بنفسك، وتتبع شؤونك الخاصة، ودعك من غيرك .. وأذكرك أيضًا؛ من راقب الناس مات همًا.. لذا لك مني هذه النصحية: لا تسأل عن أشياء إن تبدى لك تسؤك، فقد تجد عند من تراقبهم فرحًا وخيرًا، وهذا لعمري لن يعجبك أبدًا، وسيثقل ظهرك، ويزيد غمك ..
أما أنت يا صاحبي إن صادفت أبا الفضول يومًا؛ إياك إياك أن يعكر بأسئلته صفوك، أو يغيير بتطفله مزاجك .. فكل منا لديه همه، وهذا حال الدنيا .. تتقلب يومًا، وتتغير في آخر .. ثم كن حازمًا في أن تحمي حدود خصوصيتك .. ولا تُجب عن أي استفسار لا يعجبك ..
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :