شخصية "مطيع" .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


سلسلة شخصيات من هنا وهناك .. مجرد وجهة نظر .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
شخصية "مطيع" ..

كانت "شلة" الأصدقاء مجتمعة منذ فترة عندما وصل وديع للجامعة وتوجه صوبهم .. توقفوا عن الحديث قليلًا .. رحبوا به .. ثم قال أحدهم ما رأيك يا وديع أن تذهب لتبتاع لنا الساندويش من الكافيتيريا؟ .. حسنًا حسنًا، رد الشاب؛ ثم أحضر طلبات "الشلة" .. بعد الاستراحة وتناول الطعام توجه الجميع إلى قاعة المحاضرات .. قال أحدهم: هذا الأستاذ دقيق جدًا في امتحاناته، وأنت تتقن الكتابة بشكل سريع يا وديع، ما رأيك أن تدون المعلومات المهمة والملاحظات الضرورية، وتسجل أسماء المراجع التي يطرحها الأستاذ، ثم تصورها لعدة نسخ وتعطيها لنا؟ رد وديع: لا بأس، سوف أفعل ذلك .. عاد وديع لبيته بعد انتهاء دوامه الجامعي .. وعندما دخل "الحارة" ناداه ابن الجيران غسان من شباك منزله: يا وديع، يا وديع، خالتك أم غسان بعد أن بدأت بالتحضير للطبيخ، فطنت أنه ليس لديها ملح في البيت .. قبل أن تصعد اذهب إلى البقالة واشتري لنا ملح وزيت .. أجل أجل رد الفتى على عجل ..
تتنوع أشكال الروابط، وتتعدد أصناف التواصل والاختلاط بين الناس؛ لأسباب عديدة منها ما يرجع إلى نوعية العلاقة التي تربطهم، أو إلى المكان الذي يقيدهم، أو ربما إلى الظروف التي جمعتهم .. ويعود هذا التنوع في أشكال العلاقات لتباين الأفراد في سماتهم الشخصية، واختلافهم في الطبائع والخصال .. فمن الطبيعي على سبيل المثال أن تتميز بعض الشخصيات بصفة القيادة، وأن تتسم بصفة الجندية شخصيات أخرى .. وهذا الاختلاف لا يُنقص من مكانة إحدى الشخصيات أو يرفع شأن الأخرى .. بل على العكس من ذلك؛ فهو يؤدي إلى التكامل الذي يساعد على تسهيل سُبل العيش بين الناس .. فبراعة امتهان القيادة موازٍ لاحتراف اتقان الجندية .. كلاهما يصل بالركب إلى بر الأمان .. ومع ذلك؛ فإن الجندي سوف يمارس أدوارًا أخرى تتطلب منه أن يكون فيها قائدًا .. وسوف يختبر مواقفًا متعددة تلزمه أن يتخذ قرارًا ..
فيا وديع؛ من الجيد أن تكون لطيفًا ودودًا .. والأكثر جمالًا أن تكون خدوما .. لكن؛ بين أن تكون لطيفًا أو عبيطًا .. وأن تكون خدوما أو ذليلًا .. وأن تكون وديعا أو خنوعًا .. هنالك مسافة بعيدة بعيدة ..
لذا .. حتى تتقن الجندية بحرفة ومهارة .. ولا تقع في الفخ وتكون ضحية من يستغلون الجندية، ويسيئون لأصحابها .. إليك هذا الاقتراح: اعمل تجربة بسيطة: اختبر من خلالها نفسك والطرف الآخر الذي تقدم له الخدمة .. فإذا كان امتناعك عن تقديمها سوف يشعرك بالخوف من فقدان أي من الامتيازات التي تحصل عليها نتيجة هذه العلاقة؛ فهذا يعني أنك مجبور على أن تقدم هذه الخدمة؛ وهذا خنوع وعباطة .. أما إن كان امتناعك لا يؤثر سلبًا على شكل العلاقة؛ فهذه دماثة منك ولطافة..
وانتبه أن لا تخلط بين الاستياء المؤقت الذي قد يشعر به الآخر لفترة لأنك لم تقدم له الخدمة .. فهذا طبعنا نحن البشر لا نتقبل أن يقال لنا "لا" حتى لو كانت تمثل أبسط حقوق الآخر .. ومع ذلك؛ لا تفرط في الطاعة فترهق نفسك .. وتعين الآخرين على استغلالك ..
أما أنتم يا من تتعاملون مع وديع .. أرجوكم لا تسيئوا استغلاله .. وتجعلونه يندم على الطاعة .. فيحمل فوق همه همًا يثقل كاهله .. دعونا لا نرفع مقام اللئيم ونعلي شأنه .. ونسخر من اللطيف الوديع ونستغله .. دعونا لا نساهم في تشويه الجمال في الحياة، فينعكس بشاعة في نفوسنا ..
أرجوكم لا تحرفوا البوصلة .. فيضل الجندي طريقه .. ويضيع ونضيع معه .. أعينوه حتى نصل معًا لبر الأمان بسلام ..
يقول ربي تبارك وتعالى: "استِكبَارًا فِي الأَرضِ وَمَكرَ السَّيِِّئِ وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إلَّا بِأَهلِهِ .." .. فاطر:٤٣" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :