"الحماة والكنة .. والكنة والحماة" بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



دُعيت إلى مأدبة عشاء لإحدى العائلات المقربة .. وللصدفة فإن علاقتي طيبة بجميع أفراد العائلة بداية من الأجداد وانتهاءً بالأحفاد ..
كانت المأدبة في بيت الجدة .. وكان المكان مزدحمًا جدًا بالحضور .. ومليئا بالحركة ذهابًا وإيابًا، وفي كافة الاتجاهات ..
ولأن عدد الحضور للمأدبة كبير؛ فقد كان جميع من في المنزل منشغلًا بالتحضيرات والترتيبات .. وما بين الفينة والأخرى تأتي إلي إحدى السيدات، لتبدأ بالحديث معي عن مواضيع مختلفة .. فتارة أجالس "الحماة" .. وتارة أخرى تجالسني "الكنة" .. والملفت؛ أن الحديث معهم كان في معظمه يدور حول ذات الموضوع ..
ومن بين ما ذكرت لي "الحماة" .. أنها مستاءة جدًا من تصرفات "الكنة" التي تؤثر سلبًا على ابنها من ناحية برها واطاعة أوامرها، والتقطير عليها في الهدايا والزيارات .. كما أنها تمنع أحفادها من زيارة أجدادهم باستثناء يوم واحد في الأسبوع بحجة الروتين والنظام .. وحكايا أخرى ..
وعندما جلست مع "الكنة" .. كان الموضوع الرئيسي لحديثها: أن "حماتها" تكرهها، وتستمر في انتقاد تصرفاتها .. كما أنها لا تتردد في حث أبنائها على عصيان أوامرها وتجاوز أنظمة المنزل .. وتحاول دائمًا تشويه صورتها أمام زوجها .. وقصصًا أخرى ..
وذهبت محاولاتي لتحسين صورة أي منها أمام الأخرى في مهب الريح .. فلم تتقبل كلاهما أي تبرير لتصرف الأخرى .. ولم تحاول حتى مجرد سماع أية كلمة طيبة عنها ..
انتهت مأدبة العشاء .. وعدت إلى البيت .. ولأنها ليست المرة الأولى التي يطرح علي فيها هذا الموضوع ..
أخذت أفكر .. ترى هل موضوع "الحماة والكنة .. والكنة والحماة" .. هو من الموروثات المجتمعية؟!؛ ويتوجب علينا أن نقدر الإرث ونقتدي به!! ..
أم أنه باب الأنانية وحب التملك، وعدم المقدرة أو ربما الرغبة في مشاركة الآخرين؟!؛ على فرض أن أحدنا هو ملك للآخر!! ..
أم أنه قلة حكمة، أو سوء تصرف من الرجل؟!؛ وليس كل رجل بالتأكيد!! ..
أم أنه مجرد غيرة نسائية؟!؛ وأي سلوك نقوم به بداعي الغيرة مباح!! ..
أو أنه خوف من المنافسة؟!؛ على فرض حتميتها في هذه العلاقة!! ..
إن العلاقة بين "الحماة والكنة .. والكنة والحماة" تعتبر من أصول العلاقات في العائلات .. والعائلة نواة المجتمع ..
فإن كان أصل العلاقات شعلة!! .. وعناصر الاشتعال متوفرة: "لهيب الغيرة .. ووقود التحدي والمنافسة .. وحرارة الاحتكار .. واكسجين الكبرياء" .. والمناخ مناسب لتفاعلها ..
أتسأل!! تُرى كيف سوف يكون شكل الاحتراق؟! .. وهل سوف يمتد هذا الاحتراق ليصيب كل من يمر في طريقه؟!! .. بداية من "الحماة والكنة" أنفسهن .. ومرورًا بالزوج .. وصولًا إلى الأبناء ..
وهل هذا الاحتراق "نواة سوء العلاقات" .. هل هو أحد أسباب نشوب المشاحنات بين الناس؟!! .. وانفجار غازات غضب كل منهم على الآخر؟!! ..
أعتقد .. أن السبيل لمكافحة هذا الحريق .. ومحاولة اخماده قبل فقد السيطرة على انتشاره .. هو سحب مسمار خرطوم الرحمة بين الناس .. والضغط بقوة على مقبض الإحسان بينهم ..
وأفضل أنواع الطفايات لهذه العلاقات .. ماء مادة القرآن ..

يقول ربي تبارك وتعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ .." .. (الفتح: 29) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :