كنت في أحد المحال التجارية في أحد "المولات" .. وكان يوجد في نفس المحل عائلة من أب وأم وابنتهما الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الأربع سنوات أو أقل، وكانت تحمل في يدها بالون هيليوم مربوط بعصا، وتلعب به فتقذفه تارة، وتحركه بكل الاتجاهات تارة أخرى .. وبينما أنا أحاسب موظف المبيعات على الحاجيات التي ابتعتها .. صدر صوت دوي عالٍ جدًا ومخيف .. فخيم الهدوء على المكان .. والتزم الجميع الصمت .. أدرت رأسي للخلف، لعلي أستوعب ما حدث للتو ..
ووقع نظري على وجه الطفلة .. كانت عيناها جاحظتان، وكانت مصفرّة وكأن الدم تصفى من وجهها، مع رعشة في وجنتيها .. ورجفة في يديها .. صامتة تمامًا .. وبعد دقيقتين تقريبًا أجهشت الصغيرة بالبكاء ..
والدة الصغيرة تقف صامتة بجانبها .. ولم تحرك ساكنًا .. فاضطررت أنا نتيجة لسكوت الأم أن أتحدث إلى الصغيرة حتى تهدأ قليلًا، وأردت أن أطبطب عليها، إلا أنني خفت أن أتجاوز حدودي إن فعلت ذلك .. فانتظرت ردة فعل الأم .. وقلت في نفسي الآن سوف تحضن الطفلة، وتداعبها حتى يقل خوفها، وتشعر بالأمان ..
ولكن .. يا ليتني ما انتظرت ولا شاهدت ولا سمعت ما قالت .. بدأت الأم تقرع الصغيرة وتؤنبها لأنها فرقعت البالون .. وأخذت تملي عليها قواعد المحافظة على حاجياتها .. وتهددها بأنها لن تشتري لها شيئًا بعد اليوم ..
في هذه الأثناء تذكرت تقريرًا متلفزًا يذكر أن الأردن يحتل المرتبة الثالثة في نسبة الطلاق في الوطن العربي ..
وبدأت أتذكر بعض القصص التي سمعتها مؤخرًا .. وكان معظمها حول قسوتنا الجلية، وفظاظتنا في تعاملنا مع بعضنا البعض .. الزوج يوبخ زوجته والعكس .. الأب يسخر من ابنه والعكس .. ولي الأمر يؤنب المعلم والعكس .. المدير يلوم الموظف والعكس .. المشتري يصرخ في وجه البائع والعكس .. السائق يعنف الماشي والعكس .. الجار يشتم جاره والعكس ..
أصبحنا وكأننا قنابل موقوتة .. أي حركة يقوم بها الآخر (سلوك أو كلمة أو همسة)؛ هي كفيلة بسحب صمام سكوننا .. حتى نتفجر غضبًا في وجهه ..
لقد حثنا الله تعالى على الرفق ببعضنا، وأمرنا بالتراحم ..
فإن نزعنا الرحمة فيما بيننا .. نخشى أن يزيل الله رحمته عنا ..


يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم:
"الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ" ..
الترمذي (1924 ) ..

يقول ربي تبارك وتعالى:
" .. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ .." ..
(آل عمران: 159) ..