نهاية التراخي .. وبداية الحسم بقلم: رانا النمرات




أخيرًا، حسمت الدولة الأردنية موقفها. لم يعد في قاموسها متّسع لأنصاف الولاءات أو ازدواجية الانتماء، ولم تعد تقبل أن تُخترق مؤسساتها من تنظيمات تتقن اللعب على الحبال، مرة باسم السياسة، ومرة باسم الدين.

القرار الذي أعلنته وزارة الداخلية الأردنية، بحظر كافة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جمعية غير مشروعة، لا يُمكن قراءته على أنه مجرد إجراء إداري أو قانوني. إنه إعلان صريح عن نهاية مرحلة وبداية أخرى، يُعاد فيها تعريف مفاهيم الانتماء والشرعية والنشاط السياسي، في إطار من الوضوح لا يحتمل التأويل.

لسنوات، ظلت بعض القوى تمارس نشاطها في الظل، مستفيدة من مساحة رمادية تسللت عبرها لتبني نفوذًا مؤسسيًا موازيًا. لم يكن خطابها العلني يشبه واقعها التنظيمي، ولم تكن أولوياتها تتقاطع بالضرورة مع المصلحة الوطنية العليا. الدولة كانت تُدرك ذلك، لكن حسابات التوازن والسياق الإقليمي كانت تفرض التريث. اليوم، اختلفت المعادلة.

الحديث عن ضبط مواد متفجرة، ومعدات كانت تُحضّر لاستهداف مواقع أمنية، ومحاولة إتلاف وثائق حساسة... ليس تفصيلاً عابرًا. بل هو إنذار أخير بأن "العمل في الظل" لم يعد مقبولًا تحت أي غطاء. فالأمن الوطني خط أحمر، والسيادة لا تُدار بالتفاهمات مع جهات تعمل بخطابين وتعيش على ازدواجية المواقف.

لكن اللافت في خطاب وزير الداخلية لم يكن فقط التحذير الأمني، بل الإشارة الواضحة إلى أن الأردن سيظل بلدًا يحتضن الحريات السياسية، طالما كانت ضمن الإطار القانوني. الرسالة هنا دقيقة: ليست المشكلة في العمل السياسي، بل في تحويل التنظيمات إلى كيانات بديلة تنافس الدولة في سلطتها وهيبتها.

ما يجري اليوم هو أكثر من مواجهة تنظيمية؛ هو صراع على شكل الدولة وهويتها، على مفهوم الشرعية السياسية، وعلى من يملك حق الحديث باسم الناس ومصالحهم. الدولة، بموقفها الحازم، تقول إنها وحدها من تمتلك هذا الحق.

نعم، قد تكون إعادة هيكلة المشهد السياسي خطوة مكلفة من حيث التوازنات، لكنها ضرورية. فترسيخ بيئة سياسية نظيفة، قائمة على الشفافية والانتماء الواضح، لا يمكن أن يتم بوجود تنظيمات اعتادت الغموض والتلاعب بالشعارات.

ما جرى ليس تصفية حساب، بل تصحيح مسار.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :