عمانيات - كشف فريق من العلماء في جامعة براون الأميركية عن سر جيولوجي مدفون في أعماق القطب الجنوبي للقمر يعود إلى أكثر من 4.3 مليارات سنة، عندما كان النظام الشمسي يعيش مرحلة العنف الكوني الأولى، حيث كانت الكواكب الوليدة تتبادل الاصطدامات والصخور العملاقة.
الدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر" المرموقة تشير إلى أن القمر يحمل في أعماقه أثر أقدم وأضخم اصطدام عرفه سطحه، داخل ما يُعرف بـحوض القطب الجنوبي – أيتكين، وهو أوسع فوهة صدمية على القمر وربما في النظام الشمسي كله.
باستخدام بيانات دقيقة جمعتها المركبات المدارية الحديثة، توصل الباحثون إلى أن هذا الحوض لم يتشكل نتيجة اصطدام مباشر، بل بفعل ضربة مائلة أتت من الشمال نحو الجنوب، أحدثت انفجارًا هائلًا يعادل طاقة مليارات القنابل النووية. هذا الاصطدام المائل أدى إلى جرّ المواد المنصهرة نحو الجنوب، مكوّنًا حفرة بيضوية تمتد اليوم على مساحة تتجاوز 2400 كيلومتر، أي ما يقارب ربع قطر القمر.
لكن الأثر لم يكن سطحيًا فقط؛ إذ بيّنت القياسات الجيوفيزيائية للجاذبية والحرارة أن الحوض العملاق كشف عن الطبقات الداخلية للقمر، التي تحتوي على مواد مشعة وعناصر نادرة مثل البوتاسيوم والفوسفور والعناصر الأرضية النادرة، وهي ما يُعرف علميًا باسم "كريب" (KREEP)، وتشير إلى المراحل الأخيرة من تجمّد محيط الصهارة القمري عندما بدأ القمر يبرد بعد تشكّله.
ويرجّح العلماء أن هذا الاصطدام المائل غيّر التوازن الداخلي للقمر، دافعًا بهذه المواد نحو الجانب المواجه للأرض، وهو ما يفسر الفوارق الكبيرة بين نصفي القمر في البنية واللون وكثافة الفوهات.
وتُعد هذه النتائج خطوة بالغة الأهمية لبرامج "أرتيميس" التابعة لوكالة "ناسا"، التي تخطط لإرسال رواد فضاء إلى القطب الجنوبي للقمر خلال السنوات المقبلة. فالعلماء يعتقدون أن الصخور الموجودة في هذا الحوض العميق قد تحمل عينات من أقدم طبقات القمر، ما يمنح البشرية فرصة نادرة لدراسة المراحل الأولى لتكوينه وربما فهم أعمق لكيفية نشوء الأرض نفسها، إذ تشير النظريات إلى أن القمر تشكّل من بقايا اصطدام كوكب عملاق بالأرض قبل نحو 4.5 مليارات عام.