حدوتة أم مسرة بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
حدوتة أم مسرة

في يوم غائم وماطر وشديد البرودة من آخر أيام كانون الأول .. كان ينتظر زوجته خلف باب غرفة الولادة .. ويتألم لسماع صراخها من آلام الولادة .. ثم ما لبث أن اختلطت مشاعره .. فأحس بالهدوء والسكينة المخلوطة بشيء من القلق وبعض من خوف وتعرق من أعلى جبهته إلى أسفل قدميه بعد سماع صوت بكاء طفلته الأولى مقترنا بصوت الممرضة التي تقول له: مبروك "أجتك عروسة" ..
ثم بدأت الوفود تتوالى على المستشفى لتهنئة (أم مسرة )بالمولودة الجديدة معلنة بداية الحدوتة ..
المشهد الأول وفيه تتعرض أم مسرة للأسئلة التالية: ما جنس المولود؟ بنت؟ آه لا بأس مبروك .. يلا الله يعوض عليكِ ..إن شاء الله "بتخاويها" يعني تلد ذكر ليكون أخاً لمسرة ..
المشهد الثاني "بعد حوالي سبعة شهور": تتعرض أم مسرة للأسئلة التالية مرة اخرى:
اه يا أم مسرة إن شاء الله حكت البنت؟ ..
ثم بعدها بفترة.. هل مشت البنت؟ ..
ثم هل "نِظفت البنت؟ "يعني هل أصبحت تستخدم الحمام وحدها ..
المشهد الثالث: لماذا لا تلعب البنت مع باقي الأطفال؟ لماذا تجلس لوحدها .. هل ستلتحق بروضة؟ ..
المشهد الرابع: كيف علامات ابنتك في المدرسة؟ علامات ابنة عمها أفضل من علاماتها؟!! ..
ومن ثم .. لقد كبرت البنت لماذا لم ترتدي الحجاب بعد؟
المشهد الخامس: الثانوية العامة: هل تدرس البنت؟ هل التحقت بمراكز تقوية؟ هل تخرج في زيارات؟ .. ثم كم حصَّلت نتيجة "معدل" في "التوجيهي"؟
المشهد السادس: بأي جامعة سوف تلتحق؟ لماذا هذه الجامعة؟ ما التخصص؟
هل اختارت هذا التخصص أم أن معدلها أهلها له؟ ..
المشهد السابع: ألم تتخرج بعد؟ هل تأخرت في دراستها؟ ..
المشهد الثامن: ألم تشتغل بعد؟ ألم يطلب أحد يدها للزواج؟ ..
المشهد التاسع: من أي عائلة العريس؟ لأي بلد ينتمي؟ ماذا يعمل؟ كم مهرها؟ بكم "الشبكة"؟ أين سيقام العرس؟ أين سوف تسكن؟ من أين اشترت الأثاث؟
المشهد العاشر: "شو حوشت"؟ يعني ألم تحمل مسرة بعد؟ وعندما تحمل .. ما جنس المولود؟ ثم تلد مسرة .. وتتوالى الجموع لتهنئتها بالمولود القادم ..
وتعود مشاهد وأحداث الحدوتة لتتكرر من جديد وتكتشف مسرة وأمها أنهما عاشتا حياتهما داخل قاعة امتحان واسعة .. درجة الإضاءة فيها عالية جدًا وموجهة صوبهما مباشرة .. والتهوية ضئيلة .. والمراقبون لا يسمحون لهما بالالتفات يمينًا أو يسارًا ولو هفوة .. أما ورقة الامتحان فهي تحتوي على أعداد كثيرة من الأسئلة (المذكورة سابقًا) .. وتتوقف درجة النجاح فيها بالإجابة عن جميع الأسئلة ..
فإما أن تعطيا الإجابة الصحيحة وتتحملا كافة توابعها .. من نقد واستهزاء .. أو شفقة ..
أو تنظير .. أو اقتراحات لا ترغبان بها .. أو لا يمكن لهما تنفيذها لظرف معين خاص بهما ولا تريدان اطلاع الآخرين عليه .. أو.. أو .. أو ..
وإما أن تكذبا في اجابتهما تفاديًا لجميع ما ذُكر ..
وفي كلتا الحالتين لا تهم النتيجة فلقد خسرتا جزءا مهمًا من خصوصيتهما ..وحُددت حريتهما .. وفقدتا قدرًا من راحتهما ..
أظن أن الخيار الأمثل لهما كان أن تغادرا قاعة الامتحان منذ البداية وأن لا تسمحا لأحد بأن يضع حياتهما تحت المجهر .. وإلا ستضطران للعيش دون أن يكون لهما نصيب من اسم مسرة ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :