العم فؤاد بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
العم فؤاد

كنت عائدة من عملي بعد يوم عمل حافل .. وقبل وصولي إلى البيت بخطوات .. شاهدت جارنا العم فؤاد يستظل تحت شجرة الحي .. أوقفت سيارتي على الفور واتجهت إليه .. ثم جلست بقربه وقلت: ما الذي يجلسك هنا في هذا الوقت ياعم .. نظر الي العم فؤاد وقد رسم الحزن ملامح وجهه، وخط عليه تفاصيل تجاعيد السنين .. وقال: لا تخافي عليَّ يا ابنتي فأشعة الشمس هذه لن تؤذيني .. قلت: ولكن ما بك ياعم؟! ماذا جرى؟! هل حصل شيء جديد؟! قال العم فؤاد: آه يا ابنتي آه .. وهل تبقى شيء جديد!! .. ثم نزلت من عينيه دمعة أصابت قلبي في الصميم .. وقلت: ما يبكيك يا عمي؟! .. فقال: لقد خاصمتها هذه المرة خصامًا قاطعًا .. وكنت أعلم أن زوجته قد توفيت منذ أعوام، ولكني لم أساله من يقصد بخصامه هذا .. ثم أكمل حديثه قائلًا: لم تكن يومًا علاقتي بها جيدة .. فمنذ البداية كانت تعاندني، وتتحداني، وتتحكم في أفكاري وأقوالي، وأحيانًا في تصرفاتي .. (وما زلت أصغي) .. آه يا ابنتي فقد مر بخاطري شريط السنين كأنه مجرد فيلم قديم قصير باهت الألوان، أخرجته هي وصوتها يطغى على كل الأحداث .. إبعاد وتهجير، وحنين لم تضعفه حركة الحياة ولا مر السنين .. وتبعه ضيق الحال وشح المال ومذلة السؤال .. ثم تجاوزت يا ابنتي الصعاب والآلآم، وصنعت المشاريع والأشغال .. وكونت أسرة في غاية الجمال .. وما إن بدأت أشعر بالسعادة والاستقرار وتقدم بي العمر ظننت أن وقت الراحة والأمان قد حان .. حتى تجرعت مرارة الغربة وغياب الأولاد .. وفُجعت بفقد الأحباب .. وهجر الأصحاب .. وهزل الجسم وضعف البدن .. ولأواسي حالي قلت في نفسي: لا بأس فهذا دوران الحياة وهذه سنتها .. وما دام الجميع بخير فهذا خير .. إلا أنها أصرت يا ابنتي أن تتعبني من جديد .. فعشت لهذا الوقت وعاشرت أبناءه وصادفت ما لم أره في الحروب والإقصاء والإبعاد .. وخالطت أناسًا يا ابنتي تعاني أزمة أخلاق .. فلا مبادىء تحكمهم ولا قيم تجمعهم .. وتشتت في الأفكار والآراء .. تفرقهم السياسة وترعاهم المصالح .. فقست قلوبهم .. وقاطعوا أقاربهم وأرحامهم .. وكلما راقبتهم يا ابنتي يضيق صدري وينقبض قلبي ويزداد انحناء ظهري .. وتتفاقم تجاعيد الزمن على وجهي ..
هل عرفتِ عمن أتحدث يا ابنتي؟!
نعم يا عم نعم .. إنها الدنيا ..
صدقتِ يا ابنتي، سأبوح لكِ بسر جميل ..
قل يا عم .. كلما صفعتني هذه الدنيا أو ضايقتني أو أزعجتني .. قمت ألملم شتات نفسي وأهرول لاجئًا لربي .. أشكو له همي وأبوح له بسري وأمري .. ثم أطلب منه السداد في الرأي والتوفيق في العمل .. وبعد أن أبكي بين يديه .. ينتظم نبض قلبي .. ويخف وجع السنين وتسكن آلامها .. وأتذكر أنها ما اشتدت إلا لتنفرج .. ويزداد يا ابنتي يقيني أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.. ثم أقوم بصفعها بنفسي بيدي هاتين .. فما دام لي عيش فيها، فلن أترك لها المجال لتهزمني أو تكسرني .. واتكأ العم على عصاته متمتما سأنصرف الآن .. اقترب موعد مناجاتي لربي ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :