عادة بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
عادة

قبل الغروب .. كان موعدي مع التأمل على شرفة منزلي المطلة على الشارع .. وكان المسير وقتها مكتظًا فأخذت أتأمل الناس .. وقد أدهشني كم الاختلاف بينهم -وبعيدًا عن أشكال الأشخاص- فمنهم من يمشي بشكل سريع، ومنهم بالكاد ترتفع قدمه ترتفع عن الأرض لتسبق القدم الأخرى وتأذن للخطوة بالمسير .. ومن الناس مَن أشرق وجهه بابتسامة تضيف لنور القمر وقت المغيب نورا، وآخر تكاد كشرته أن تحجب نور القمر .. وهناك أشخاص تتثاقل من حمل كرشها، وآخرون يشبهون الهياكل العظمية ..
وبين النقيض والنقيض ومدى تباين الطرفين يوجد مجموعة من النقاط في الوسط تمثل التنوع والاختلاف بين البشر ..
واستغرقت في التأمل وخطر ببالي مجموعة من المعارف والأصدقاء والعائلات .. وكيف يختلف أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم، حتى مع كون فارق العمر بينهم قليل .. وقادني تأملي للتساؤل حول الأسباب التي تجعلنا مختلفين؛ على الرغم من تشابه الظروف التي نعيشها؟! .. ولا شك أن الأسباب متعددة .. منها الوراثة على سبيل المثال، والظروف الصحية، والظروف البيئية والأسرية التي نعيشها .. وغيرها الكثير والعديد من الأسباب .. إلا أنها لم تكن الأسباب التي أبحث عنها .. إلى أن قادني تفكيري ومن خلال تعاملي مع العديد من الأشخاص؛ إلى أن كل واحد منا يشكل مجموعة من العادات .. فهو ينشأ في بيئة تشجع على عادات غذائية معينة على سبيل المثال .. وعادات في طريقة التفكير وتحليل الأمور واستخلاص النتائج .. وعادات في آلية حل المشكلات .. وأخرى حركية ومنها ما يتعلق بالأنشطة.. وغيرها .. بالإضافة إلى أن هذه البيئة تضعف وتقلل من تشكيل عادات أخرى .. ثم تتسع دائرة الشخص، ويتعرف على عادات جديدة من المدرسة والرفاق والمجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي .. وغيرها .. وتتطور خبرته ومعلوماته وأفكاره .. ويبدأ بغربلة هذه العادات، فيحتفظ بما يطيب له منها ويترك الأخرى، ولكن ليس بالضرورة أن يحتفظ بالجيدة ويترك السيئة، وإنما يتبع ما يوافق هواه منها ..
يبدو لي أن كل منا هو مجموعة من العادات .. تبدأ مع أول النهار بتناول طعام الإفطار أو تركه حسب ما تعود .. مرورًا بطريقة تعامله مع ما يعترضه من مشكلات .. وصولًا لطريقة تعامله مع الآخرين، فهو يتصرف كما تعود ..
يأكل بالطريقة التي تعود عليها، ونوع الطعام الذي تعود على تناوله، ويلبس بالطريقة التي تعود عليها ونوع اللباس الذي يرتاح له .. ويسلك ويتصرف كما تعود .. ويحترم الآخر أو يهينه كما تعود .. ويستبيح حقوق الآخرين أو يحفظها كما تعود .. ويعتذر أو يكابر عندما يخطئ كما تعود .. وهكذا ..
ويمكنه تعود الصدق أو الكذب .. وبيده تعود الحلم أو اللؤم .. ويمكنه تعود الكرم أو البخل .. كما يمكنه تعود الود أو البغض .. فأمام كل منا الكثير والكثير من العادات والقيم والأعراف والتقاليد .. ننتقي منها ما نشاء ونهوى .. ونترك ونبتعد عن ما لا نرغب ولا نرضى منها ..
وأستشهد هنا بقول الله تعالى: "قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها".
لذا رجاءً إلى كل من يربي ويعلم .. من أسرة ومدرسة ومسجد، ودور للعبادة ووسائل للإعلام، وغيرها .. علمونا أن يومنا مليء بالأعمال والسلوكات .. والأقوال والنظرات والإيحاءات .. وأن تكرار أدائنا لها بأسلوب معين يشكل عادة .. ومن العادات ما هو جيد ومحبب .. وآخر رديء وسيء .. وأن هذه العادات يعكس كل منها داخلنا، ويظهر ويوضح شخصيتنا .. وأرشدونا إلى كيفية التمييز بين العادات المختلفة .. وحسن الاختيار منها .. وحرفية تطبيقها .. "فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" .. وبعدها لنا حرية اتخاذ القرار الذي يناسبنا منها .. وهنا يحضرني قول سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إنّما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرّ الخير يُعطَه، ومن يَتَوَقّ الشرّ يوقَهُ".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :