صفر على الشمال بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
صفر على الشمال

أذكر أن ميولي أثناء الدراسة كانت للمواد الأدبية .. وخاصة اللغة العربية التي ما زلت أعشقها .. كما أذكر جيدًا أن المادة العلمية التي كانت تستهويني بالدرجة الأولى هي الرياضيات .. ولكن، بحكم إنهائي للمراحل الدراسية .. وبحكم طبيعة عملي التي لا تتطلب مني اتقان هذه المادة أو حتى ممارستها .. فلم أعد على اطلاع جيد بها .. وقد شعرت بالحنين -قليلًا- لها .. فخطرت ببالي فكرة .. لم لا أعاود البحث في مفردات هذه المادة؟! .. وبالفعل بدأت بسُلم الأعداد -وتوقفت عنده- حيث استوقفني العدد (صفر) .. يا له من عدد مدهش .. فحيث يبدو لك أن لا قيمة له .. إلا أنه قد يجعل قيمة الرقم أكبر وأعظم وأضخم .. فأهميته تنبع من مكان تواجده .. فإذا ما وقف على يمين الواحد جعل منه عشرة، وإذا ذهب ليسار الرقم، فإنه لا يضيف للرقم واحد زيادة، ولن يرتفع أكثر من قدره .. وبالتالي يبقي صفرًا بلا قيمة .. ناهيك عن القيمة الحاصلة من تكرار الأصفار بجانبه، فوجوده بجانب هذه الأصفار يضيف لها قيمة عجيبة .. فالألف بوجوده تصبح عشرة آلاف، وهكذا ..
ومن حيث لا أدري شعرت بشبه كبير بين هذا العدد وبين كثير من الناس .. الذين قد يعتقد أحدهم أنه بلا قيمة .. وأن لا فائدة ترجى منه .. وذلك بسبب تعرضه لظروف معينة (اجتماعية، أو بيئية، أو جسدية، أو مادية، أو غيرها) .. والتي تجعله يعتقد بأنه لا حول له ولا قوة، فيفقد الثقة بنفسة .. ويعتقد أنه لا نفع منه ولا فائدة (صفر على الشمال) ..
متغافلًا من خلال هذا الاعتقاد عن مدى ما يمتلكه من قدرات وإمكانات كامنة يستطيع من خلالها أن يغيّر ظروفه التي يظن أنها عائقًا له .. وأن يحقق عددًا من الانجازات والنجاحات في مجالات شتى .. فالمشكلة الحقيقية تكمن فقط في طريقة تفكيره بنفسه وبظروفه .. هذا التفكير جعله مقتنعًا بضعفه .. فوقف ثابتًا في مكانه (صفر على الشمال) .. ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحًا عندما يتعرض أحيانًا لمشكلة ما ويحاول حلها ولا يفلح، فيشعر بالاحباط ويتوقف عن المحاولة .. إلا أن المشكلة ما زالت مستمرة ولم تنتهِ بعد .. وكمحاولة جديدة لحلها يعيد تكرار المحاولات السابقة وبنفس الأسلوب .. وما يحدث بالتالي هو أنه حصر نفسه في ذات المكان فحصل على ذات النتيجة .. وهذا قد يجعله يعتقد بأنه بلا فائدة .. بينما كان الموضوع ببساطة يتطلب منه أن يغيّر طريقة التفكير التي اتبعها .. وأن يكرر محاولات الحل ولكن بأساليب مختلفة ومتنوعة ومتعددة .. حتى تتغير النتيجة .. تمامًا كالصفر إذا ما تكرر وضعه على الشمال حتى لو كان بين مئات الأصفار فلن يغير شيئًا، وسيبقى (صفر على الشمال)، لا قيمة له ولا فائدة ترجى منه ..
غيّر طريقة تفكيرك (مكانك) .. واختر لنفسك مكانًا أفضل، وبين أشخاص تُعينك وتضيف لك .. ثم حدد الهدف الحقيقي الذي تنشده .. واشحن نفسك بالإرادة حتى تصل لغايتك .. ولكن لا تبقَ ساكنًا في مكانك .. واستعن بالله أولًا وأخيرًا ..
تحضرني هنا مقولة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه:
دواؤك فيك وما تُبصر.. وداؤك منك وما تشعر
وتزعُم أنَّك جرمٌ صغير .. وفيك انطوى العالمُ الأكبر ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :