سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
اضحك

فيما مضى .. كنت أنا وإخوتي نقضي ساعات طويلة نلهو فيها ونلعب ونتسلى معًا .. أذكر أنني كنت أنهي مذاكرتي وواجباتي وأنتظر عودتهم من (الحارة) بعد أن ينهوا بدورهم اللعب مع الأولاد .. وكانت من بين الأنشطة المشتركة التي تستهوينا مشاهدة برامج الكرتون سويًا .. وحيث أن الخيارات كانت قليلة آنذاك .. ولم يكن لدينا (ستالايت)، فكان خيارنا التلفزيون الأردني .. وكان من سياسة هذه المحطة عرض أغاني موجهة للأطفال بين كل مسلسل كرتون وآخر .. ومع أن تلك الأغاني كانت قديمة ومحدودة ومكررة .. إلا أننا كنا نستمع لها ونستمتع بها .. ومؤخرا، أخذت تخطر ببالي كثيرًا إحدى تلك الأغاني وهي: (اضحك، ل محمد ضياء الدين) .. وأتذكر جيدًا كيف كنا نمضي وقتًا طويلًا نسخر فيه ونستهزئ من كلمات تلك الأغنية .. وتتعالى أصوات ضحكاتنا عندما يُسقط أحدنا على الآخر كلمات الأغنية .. والتي كان محورها أنه مهما حصل معك فاضحك (لو بابا ضربك، اضحك .. لو حرمك مصروفك، اضحك ..) وعلى هذا المنوال كانت تدور مقاطع الأغنية (والمقصود أنه مهما حصل معك اضحك) .. حتى أننا بقينا لزمن طويل نستعمل كلماتها عندما يتعرض أحدنا للمواقف المذكورة فيها .. وظلت مثارًا للسخرية لدينا على مدى فترة ليست بالقصيرة ..
وأما الآن .. فكلما ازداد عمري يومًا .. وخبراتي تجربة .. ومعرفتي معلومة .. واطلاعي رأيًا .. وإدراكي دراية .. صرت أتفكر أكثر بكلمات تلك الأغنية، واستشعرها بطريقة مختلفة .. حيث بدا لي أنه عليك بالفعل أن تضحك دائمًا -ومع أنني لست أنكر أن هذه الدنيا مليئة بالمنغصات، وليس خافيًا عليّ ما تحمله من هموم وأحزان وكدر- إلا أنني أرى أن الأسباب التي تدعو للراحة والسكينة أهم وأكثر .. ومن هذه الأسباب:
أولًا: أنك مهما بلغت من العلم ومهما زادت معرفتك، فإنك لن تختار لنفسك خيرًا مما اختاره الله لك .. وإذا لم تثبت لك الأيام مدى الحكمة فيما منحك الله اياه أو منعه عنك .. فثق بوجودها حتى لو غفلت عنها .. فاضحك ..
ثانيًا: إن كل ما أصابك وكل ما مُنع عنك لا صدفة فيه ولا حظ .. هذه قسمتك التي كتبها الله لك .. لن يمنع وصولها إليك تدبير أحد، أو وقوع ظرف، أو حدوث طارئ .. كما ولن يمنحك أحد أي شيء (مادي أو معنوي) ليس مقدور لك، حتى لو ذللت لذلك كل الأسباب والظروف .. فاضحك ..
وأخيرًا: ثق .. أنك تحت رقابة عين الله الحافظة، وبين رعاية يديه المبسوطتين .. يحرسك ليلًا، ويحميك نهارًا، ويصونك في كل وقت .. فاضحك ..
لذا .. ابتسم واضحك .. واطمئن .. فمن أحياك يتولاك ..
يقول ربيّ تبارك وتعالى: "لَهُ مُعقِّباتٌ مِّن بين يديهِ ومن خلفِهِ يحفظونَهُ من أمرِ الله .." ..